حينما تختل النفس أو تفقد اتزانها، لا تجد ملجأً أصدق من العودة إلى الله، والارتماء في حضن العلم ومجالس الذكر، حيث الصفاء واليقين ، وهنا تتجلّى عظمة ما يُقدَّم حين يجتمع صدق المعلّم مع عمق المعنى.
لقد شهدنا في دورة الأستاذة ماجدة صديقي حول “مدارسة الإكسير” نموذجًا لذلك؛ لم تكن مجرد دورة تدريبية تقليدية، بل كانت أشبه بباب نورٍ يخرج منه الداخل مثقلاً ليعود خفيفًا مطمئنًا ، هناك يتردّد صدى كلمات الإمام ابن القيم رحمه الله، فتُوقظ القلب وتعيده إلى محراب الطهر.
ومن أعمق ما تردّد: “إن الله لا ينظر إلى وجوهكم ولكن ينظر إلى قلوبكم”. كم نهتم لزينة الوجوه، ونُغفل زينة القلوب التي هي محل نظر الخالق جل وعلا! عندها تتبدّل الرؤية، فننظر للآخرين لا بأشكالهم ولا بمظاهرهم، بل بما تختزنه صدورهم من نقاء أو غل.
وتحت ضوء قوله تعالى: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين}، تتضح معالم الطريق؛ عبودية مبناها الحب والخضوع، واستعانة أساسها الثقة والاعتماد على الله ، إنها كلمات قصيرة في اللسان، عظيمة في الميزان، لو استقرت في القلوب لغيّرت مجرى الحياة.
ابن القيم – رحمه الله – لم يعش سوى ستين عامًا، لكنه خلّف إرثًا خالدًا يطهّر الأرواح ويربطها بخالقها ، صاغ معاني التوبة والرجاء والخوف والمحبة بألفاظ بديعة تذيب القلوب، فكان يقول:
“المحبّة مركب، والرجاء حادٍ، والخوف سائق، والله هو الموصل بمنّه وكرمه.”
فما أجمل أن نتأمل قوله في التوبة:
يا من ألوذ به فيما أؤمِّله، وأعوذ به مما أحاذر، لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره، ولا يهيضون عظماً أنت جابره.
هذه الكلمات تختصر عجز البشر وكمال رحمة الله، وتذكّرنا أن القلب لا يحيى إلا بذكر الله، وأن من مات قلبه، عاش جسده غريبًا باردًا.
ولعل خلاصة الخلق كلّها، كما يذكر، تقوم على أربعة أركان: الصبر، العفة، الشجاعة، العدل ، بها يكتمل ميزان النفس، ويستقيم سلوك الإنسان.
و في الختام :
إننا اليوم أحوج ما نكون إلى تطهير قلوبنا قبل أجسادنا، وإلى إعادة الاعتبار لبرامج مدارسة كتب الإمام ابن القيم، وجعلها جزءًا أصيلًا من مسارات التدريب والتربية ، فهي ليست مجرد نصوص تراثية، بل هي مدارس إيمانية تحيي القلوب، وتعيدها إلى بوصلة الفطرة.
فاللهم ارزقنا قلوبًا نقية، ونيات صافية، وشوقًا للخلوة بذكرك، واهدنا وسدّدنا، وامنحنا من نورك ما يطهّر أرواحنا ويضيء دروبنا.