بواسطة : .
11:45 م - 2025/10/11 - 339 views
بقلم: د.جواهر الروقي
“خالِفْ هَوَاكَ تَصلُح خُطاك” — قاعدة تختصر طريق الإصلاح الإنساني بأكمله. فليس في حياة المرء جهادٌ أعظم من جهاده لنفسه، إذ كثيرًا ما يكون الانتصار الحقيقي في الصمت حين يُغري الهوى بالكلام، أو في الحِلم حين يدفع الغضب إلى الانفعال.
كانت ندى، موظفة شابة تعمل في إدارةٍ خيرية، تبذل جهدًا كبيرًا في إعداد تقريرٍ شهري دقيق ، وعندما قدّمته لمديرتها، فوجئت بتعليقٍ يطلب إعادة صياغته ، اشتعل في داخلها صوت النفس: “لماذا لا تُقدّر جهدي؟!”، وبدأت كلمات الدفاع والاحتجاج تتزاحم في ذهنها ، لكنها تذكّرت عبارة قرأتها مؤخرًا: “خالِفْ هَوَاكَ تَصلُح خُطاك.”
تريّثت، أعادت النظر في التقرير بعينٍ أكثر هدوءًا، فاكتشفت فعلاً بعض النقاط التي تحتاج إلى تحسين ، عدّلتها وأرسلت النسخة الجديدة بابتسامة وعبارة شكر ، بعد أيام، تلقت إشادة رسمية على جودة عملها، فابتسمت لنفسها قائلة: “لقد كان النصر في كفّ النفس، لا في نيل الثناء.”
هذا الموقف اليومي البسيط يذكّرنا بمبدأ عظيم جسّده الرسول ﷺ في حياته. فعن أنس رضي الله عنه قال: “كنت أمشي مع النبي ﷺ وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيّ فجبذه بردائه جذبًا شديدًا حتى أثّر في صفحة عنقه، ثم قال: يا محمد، مُر لي من مال الله الذي عندك! فالتفت إليه النبي ﷺ فضحك، ثم أمر له بعطاء.”
ذلك الموقف النبويّ يختصر قمّة مخالفة الهوى؛ فلو اتّبع ﷺ انفعال النفس لكان الرد غضبًا أو زجرًا، لكنه آثر الحِلم والرحمة، فربح الموقف وربّى القلوب.
ما أحوجنا اليوم إلى هذا الاتزان النبوي في حياتنا اليومية؛ في العمل، في البيت، وفي تعاملنا مع الناس ، فكلّما خالفنا الهوى، صلحت خطانا، واستقام طريقنا.
إن مجاهدة النفس ليست مرحلة مؤقتة، بل مسيرة عمرٍ تمتد حتى تفيض الأرواح إلى بارئها.
ولعل أجمل ما في هذه المسيرة أن مجرد السير على الدرب.. وصول، لأن الوصول ليس محطة نبلغها، بل صفاءٌ نعيشه حين نغلب أنفسنا في لحظة ضعف، فنكسب أنفسنا للأبد .
أعجبنى
(1)لم يعجبنى
(0)