بواسطة : .
4:23 م - 2025/10/30 - 219 views
بقلم ــ منال صالح أنديجاني
في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن (الاحتراق الوظيفي) وكأنه المرض العصري لكل موظف. يردد المصطلح في المكاتب كما تتداول أخبار الطقس، حتى أصبح شماعة يعلق عليها البعض ضعف إنتاجه، وتقصيره، وقلة انضباطه.
لكن إن تأملنا المشهد بعمق، نجد أن بعض من يشتكون من الاحتراق لا تتجاوز ساعات عملهم الفعلية خمس أو ست ساعات، تتخللها استراحات إفطار مطولة، وأحاديث جانبية، وطقوس قهوة لا تنتهي. يبدأ يومه متأخراً، ويؤجل المهام بحجة “سأبدأ بعد الاجتماع” أو “بعد الغداء”، ليجد نفسه في نهاية اليوم لم ينجز إلا القليل، ومع ذلك يشعر بالإنهاك!
إنه وهم الاحتراق، حين يختلط سوء إدارة الوقت بالتسويف المستمر، ويفسر ذلك وكأنه إرهاق نفسي أو ضغط وظيفي. الحقيقة أن البعض لا يعاني من ضغط العمل بقدر ما يعاني من غياب التنظيم والالتزام، وعدم الوعي بأهمية استثمار ساعات الدوام.
الاحتراق الحقيقي لا يصيب من لم يعمل، بل يصيب من أعطى وتجاوز طاقته في سبيل إنجاز أو هدف. أما من أهدر وقته في تفاصيل جانبية ثم اشتكى من الإرهاق، فهو في الواقع ضحية عاداته، لا بيئة عمله.
إن إدارة الوقت مهارة لا تقل أهمية عن المهارة الفنية في أداء المهام، فمن لا يحسن تنظيم يومه، لن يجد متسعاً للإبداع أو الراحة، وسيبقى يركض خلف الوقت دون أن يدرك أنه هو من أضاعه بيده.
فلنراجع مفهومنا عن الاحتراق، ولنفرق بين التعب الناتج عن إنجاز حقيقي، وبين التعب الناتج عن فوضى يومية مغلفة بشكوى لا مبرر لها.
ولعلنا نحتاج أن نتذكر أن العمل أمانة، وأن الأجر الذي نتقاضاه ليس مجرد راتب شهري، بل مسؤولية سنسأل عنها يوم الحساب: هل أدينا عملنا كما يجب؟ وهل كنا أمناء في الوقت الذي دفع لنا مقابله؟ فالإخلاص في العمل عبادة، والإتقان قيمة لا تنفصل عن الإيمان.
أعجبنى
(9)لم يعجبنى
(2)