بواسطة : .
9:23 م - 2025/11/06 - 201 views
منال صالح أنديجاني
في بعض بيئات العمل، يصبح ميزان التقدير مختلاً، فلا يقاس التميز بالإنجاز، بل بالقرب من أصحاب القرار. ومع مرور الوقت، تتحول الكفاءة إلى أمر ثانوي أمام الولاءات والعلاقات الشخصية، فتضيع العدالة التنظيمية، وتفقد المؤسسات بوصلتها الحقيقية.
يتخذ بعض المدراء قراراتهم لا بناء على معايير الأداء أو مصلحة المنظمة، بل وفقاً لميول الشخصيات الأقوى منهم داخل الإدارة العليا. وهنا يبدأ الانحدار الهادئ، حين تقدم المصالح الفردية على الصالح العام، ويستبعد الأكفاء لصالح المقربين، ويقاس النجاح بمدى الرضا لا بجودة العمل.
هذه القرارات لا تضعف فقط روح الفريق، بل تزرع الإحباط وتدفع الكفاءات للمغادرة بصمت. فالبيئة التي تكرم المصفق وتهمش المنتج، لا يمكن أن تبني استدامة أو تخلق تميزاً. ومع الوقت، تخسر المنظمة أهم رأسمال تملكه: الإنسان الكفء المؤمن برسالتها.
ولعل المؤسف أن بعض المنظمات، بعد أن بلغت أوج مجدها وحققت حضوراً لافتاً في مجالاتها، تبدأ رحلة التراجع بصمت. لا لضعف في الموارد أو نقص في القدرات، بل لأن صوت التطبيل ارتفع فوق صوت الحقيقة. تقصى الكفاءات التي صنعت النجاح، وتقرب الأصوات المادحة التي تجمل الواقع، فتتآكل المنظومة من الداخل حتى تفقد بريقها شيئاً فشيئاً.
القائد الحقيقي لا يخشى صوت الأقوى منه، بل ينصت لصوت المنطق والكفاءة. فهو يدرك أن بناء بيئة عمل صحية لا يتحقق بالمجاملات، بل بالعدالة وتمكين المبدعين. فحين تمنح الفرص على أساس الجدارة، تزدهر الأفكار ويعلو الأداء، وحين تقصى الكفاءات لصالح الولاءات، تصاب المنظمات بالركود وفقدان الاتجاه.
إن الحفاظ على الكفاءات ليس ترفاً تنظيمياً، بل مسؤولية قيادية وأمانة مهنية، فالعقول المنتجة لا تبقى في بيئة تكافئ الصمت وتعاقب المبادرة. والمؤسسات التي تحسن إدارة كفاءاتها، هي وحدها القادرة على الاستمرار والنمو بثقة واستقرار.
أعجبنى
(4)لم يعجبنى
(2)