خلال إحدى الدورات التدريبية التي جمعت ما يقارب (750) متدرّبًا ومتدرّبة، تطرّق المدرب إلى موضوع تقييم الوظائف في بيئة العمل. إلا أنّ ما أثار الانتباه هو انزلاقه اللفظي حين قال إن الوظائف تُقيَّم على أساس «العلاقات» – في إشارة يُفهم منها «الواسطة» – قبل أن يتراجع سريعًا ويستبدل الكلمة بتعبيرات أخرى مثل السمعة أو السيرة التسويقية.
قد يبدو هذا الموقف عابرًا للوهلة الأولى، لكنه يطرح تساؤلات أعمق: هل كان ذلك التعبير نتاج لحظة غلب فيها اللاوعي على وعي المدرب؟ وهل عكست تلك الزلة ما يختزنه من قناعات أو خبرات شخصية أكثر مما تعكس رسالة مهنية أراد إيصالها؟
الحضور في مثل هذه الدورات لا يستمعون فقط إلى المعلومات، بل يلتقطون أيضًا الإشارات غير المباشرة والرسائل المبطّنة. كلمة «العلاقات» قد تكون ولّدت لدى بعضهم حالة من الإحباط، وربما رسّخت الاعتقاد بأن الحصول على وظيفة مرهونٌ بالواسطة لا بالكفاءة.
آخرون قد استقبلوها كحقيقة غير مريحة لكنها واقعية، بينما فئة ثالثة ربما تمسّكت بمسافة نقدية وحاولت ألا تسمح لهذه العبارة أن تكسر حماسهم.
من الطبيعي أن تُثير مثلُ هذه الكلمة تساؤلاتٍ داخلية لدى المتدرّبين: هل كل جهدنا في تطوير ذواتنا وتحديث علمنا مصيره التلاشي أمام سلطة العلاقات؟ البعض قد يمرّ بلحظة شك، لكن آخرين يدركون أن الاستسلام لهذا التصوّر قد يعيق مسيرتهم أكثر مما تُعينهم عليه مواجهةُ الواقع.
في تقديري، المشكلة ليست في كلمة واحدة قالها مدرّب ثم تراجع عنها، بل في البيئة التي تجعل مثل هذه الكلمات تجد صداها. المدرب هنا أسقط – ربما بلا وعي – جزءًا من تصوّره عن سوق العمل، بينما كان يُنتظر منه أن يعزّز ثقافة الاعتماد على الكفاءة والجدارة.
فالتدريب ليس مجرّد نقل معرفة، بل هو أيضًا بناء قناعات إيجابية، وغرس الثقة بأن الجهد والتميّز هما السبيل الأوثق للنجاح.
من المهم أن يتنبّه المدربون إلى أن كلماتهم لا تُستقبَل على أنها ملاحظات عابرة، بل قد تتحوّل إلى قناعات راسخة لدى مئات المتدرّبين.
لذا ينبغي إعداد الرسائل التي يودّ المدرب إيصالها بإحكام، وعلى المؤسسات التدريبية أن تركّز على تأهيل المدربين في جانب الوعي الخطابي، بحيث يُفرِّقون بين ما هو رأي شخصي وما هي معلومة مهنية موثوقة.
والأهم أن على المتدرّبين أن يتعلّموا مهارة «تمحيص الكلمات»، فلا يأخذوا كل ما يُقال كحقيقة مطلقة، بل يُخضعوه للنقد والتحليل، مع التمسّك بالاجتهاد والتطوير الذاتي خيارًا لا بديل عنه.