بواسطة : .
4:17 م - 2025/09/09 - 433 views
الوثاق ــ بقلم : الدكتورة جواهر الروقي
كان يراودني دائمًا شعور بأن الأمر سيمضي، وأن صبرها سيحملها نحو الفرج، ففي كل مرة أزورها كنت أرى فيها قوةً عجيبة على التحمّل، وثباتًا يزداد رغم قسوة الأيام .
قبيل رحيلها، كنت على يقين بأن الألم حين يشتد يقترب من نهايته، كما يولد النجاح من رحم المعاناة، وكما يشرق الفجر بعد طول ليل.
وقفتُ أتأمل ذلك الجسد الذي أنهكه التعب، لكنه ظلّ شاكرًا ذاكرًا، صابرًا على البلاء ، في أشد لحظات الألم لم تهجر الصلاة، ولا تخلّت عن القرآن والأذكار ، أي مفارقة عجيبة! نحن الأصحاء كثيرًا ما نتكاسل، بينما هي في أشد محنتها متمسكة بما يقوّي روحها ويثبت قلبها.
آهٍ من هذه الدنيا، ما أسرعها وما أفناها ، ما بين سنوات الصبر مع كورونا، وما بعدها، كانت حياتها حكاية من الرضا والتسليم .
وفي غرفة الوداع، حيث تختلط الدموع بالذهول، وقفتُ أمام جبينها لا أقوى على الحراك ، أيعقل أن تغيب عني تلك التي كانت تقول لي دومًا: “سأكون بخير، سأزورك و سأسهر معكِ”؟
أيعقل أن ترحل تلك التي طالما دعت لي أن أكون في أعلى المناصب، وأن يكون اسمي عاليًا؟
كنت أكلّمها رغم ضجيج المكان، أعدها أنني سأسعى لتحقيق كل ما تمنته لي، بإذن الله وقوته ، كنت أدعو لها وأسترجع في ملامحها صورة المرأة المؤمنة المحتسبة، التي لم تتذمّر يومًا، ولم تسأل: “لماذا أنا؟” بل كانت تردّد: “اختارني الله، والحمد لله”.
ما أعظم هذا الدرس الذي تتركه لنا: الصبر عند البلاء، والرضا بالقضاء، واليقين أن ما عند الله خير وأبقى ، فرحيلها لم يكن مجرد وداع، بل كان وصية صامتة لكل من عرفها أن نتمسّك بالإيمان، وأن نصبر كما صبرت، ونشكر كما شكرت.
فلنجعل سيرتها دعوة لنا لمراجعة أنفسنا: في صحتنا قبل مرضنا، وفي عافيتنا قبل بلائنا ، ولنجعل الدعاء لها صدقةً جارية، مع التذكير بأن الصبر باب الفرج، وأن الرضا هو سرّ الطمأنينة في الدنيا قبل الآخرة.
وفي الختام ، لنستحضر وعد الله للمحتسبين:
“وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ” [البقرة:155-156]
ليكن الصبر والتسليم سبيلنا، ولنتذكر دائمًا أن الفرج قريب لمن احتسب.
أعجبنى
(30)لم يعجبنى
(0)