من أين أبدأ حديث رحلتي في الحياة وعلى اي عتبة اتوقف ..
استدرك دائماً ما مضى وتتضح لي رؤية ما بقي..!
قبل عدة سنوات وعند وفاة والدي رحمه الله ايقنت ان امواتا ما زالوا في قلوبنا احياء ونحن اصبحنا بعدهم فاقدي شغف الحياة..
توفي والدي رحمه الله في ذلك اليوم الذي يفرح فيه المسلمين بمصادفة عيدين وهما عيد الفطر السعيدوعيد الجمعة..
عندها فقط وفي لحظة استدارك شاهدت البشر على فريقين فالأول كانت الفرحة رفيقته بحلول العيد السعيد اما الآخر كان الحزن رفيقه بوفاة من يحب في ذلك اليوم الفضيل..
بأختصار هي فرحة المسلمين بالعيد السعيد وحزننا نحن بوفاة والدنا وايقنت حينها ان من كانوا يعيشون بيننا ويشعرون في الم الفقد انه كان امر حقيقي وليس رواية تكتب من روايات الحياة..
من بعد وفاته رحمه الله وتحديداً ايام العزاء الثلاثة كان الأصدقاء والأقارب والجيران والأحباب يخففون علينا مصابنا طوال تلك الأيام الثلاثة ثم بعدها وتحديداً في اليوم الرابع شعرنا واخوتي بفراغ كبير لم نشعر به من قبل ثم حدثني احد أخوتي بأنه زار المستشفى والقسم الذي كان يقطن فيه رحمه الله ليخفف على نفسه قليلا من تلك الصدمة التي كان لها وقع كبير على قلوبنا..
بعد ذلك مررنا بمرحلة جديدة عندما ننام ونستيقظ عليها ونحاول ان نتماشى معها ونتعايش مع الواقع الجديد ..
بعد سنة الفقد التي قضيناها وفي ظرف سنة غزاني جيش كبير من الشيب وكأنه يشن علي حربا شرسة من نوع آخر ولم يمهلني كثيرا حتى اعلن سيطرته علي بشكل كبير ..
كانت والدتي وما زالت حفظها الله بالنسبة لنا اثمن ما نملك وكانت تقوم مقام كل شي وكانت معين لنا بعد الله في مواجهة عثرات الحياة العصيبة..
بعد مضي سنين شعرنا اننا كبرنا فجأة فمن الطبيعي عندما يفقد الشخص العامود الرئيسي له يشعر بالمسؤوليه الكبرى التي سيتحملها بلا معين لأنه وبكل بساطه اصبح بلا كبير موجه..
بعد مضي عدة سنوات شعرت انني اصبحت عم الجميع فلا اكاد ادخل لأحد المحال التجارية حتى اسمع احدهم يقول لي ياعم اي خدمة والآخر يقول ياعم آمرني ومن هنا اصبحنا نفقد الشغف قليلاً قليلا واصبحنا نعلم يقينا ان ما مر على من سبقونا من آباء واجداد سيمر حتماً علينا ولن يبقى لنا إلا العمل الصالح الذي فرطنا في بعضه طوال هذه الازمنة..
وفي النهاية وعندما انكسر احدى أهم أسناني الأمامية وفقدت ما كان يجمل وجهي ويخفي قليلا من شيباته التي تبينني بالعجز تاره وبالوقار تاره أخرى أيقنت حينها ان الطريق الذي سلكوه من قبلنا لن نتخطاه أبدا وعلينا ان ندرك ونتدارك ما بقي في ما يرضي الله عز وجل ونعيش بهدوء أكثر مما سبق ولا نلتفت للصغائر من الأمور وان نحاول جاهدين ان نحجم الكبائر من المشكلات لنعيش مطمئنين افضل مما سبق..
استنتاج :
علمتني الحياة أن رحيل من نحب يأخذ معه ملامحنا الجميلة فلا نموت في حقيقة الأمر ولكن نكون على قيد الممات داخلياً ..