بواسطة : .
2:01 ص - 2025/10/24 - 210 views
الوثاق_ منال أنديجاني
في عالم الإدارة، لا يقاس نجاح القائد بعدد القرارات التي يتخذها، بل بمدى صواب تلك القرارات ورسوخها على أرض الحقائق. غير أن بعض المدراء، في غمرة سلطتهم أو تحت ضغط الوقت والمواقف، يقعون في فخ التحيز أو التسرع، فيبنون قراراتهم على رواية واحدة أو انطباع عابر، لتغدو قراراتهم أشبه بما يبنى على رمال متحركة، لا تلبث أن تنهار مع أول هبة حقيقة.
إن أخطر ما يواجه المؤسسة ليس الخطأ بحد ذاته، بل القرار الخاطئ المبني على تصور ناقص. حين يتجاهل المدير الاستماع لجميع الأطراف، أو يكتفي بما نقل إليه من معلومة مجتزأة، فإنه يختزل الحقيقة في زاوية ضيقة، ويظلم أشخاصاً أو يربك مسار العمل من حيث لا يشعر. فالمعلومة غير الدقيقة، إذا لم تمحص، تتحول إلى بذرة قرار جائر قد يخل بتوازن بيئة العمل ويهز الثقة في القيادة.
القائد الواعي لا يحكم بعجلة، بل ينصت، ويحلل، ويتحقق. يسمع الصوت المختلف قبل المتفق، ويبحث عن جذور المشكلة لا مظاهرها. فالإدارة الحقيقية ليست في إصدار القرارات بقدر ما هي في صناعة قرارات عادلة، تتكئ على الحقيقة لا على الانطباع.
كم من مؤسسة خسرت كوادر متميزة، أو تعطلت مشاريع واعدة، لأن مديراً اتخذ قراراً متسرعاً اعتماداً على سرد ناقص! وكم من بيئة عمل تآكلت روحها بسبب تحيز لم يُقصد به الضرر، لكنه ولد من غياب التحقق والإنصات!
إن فن الإدارة يقوم على ميزان دقيق بين الحزم والإنصاف، بين السرعة في القرار والتأني في الفهم. فالقائد الذي يبني قراراته على أسس واضحة، يرسخ ثقافة العدالة والثقة داخل فريقه، ويضمن استدامة النجاح. أما من يكتفي بظاهر القول أو يغلب ميوله الشخصية، فإنه يزرع الشك قبل أن يجني الولاء.
في النهاية، القرارات العادلة لا تصنعها المكاتب المغلقة ولا التقارير المنقوصة، بل يصنعها قائد صادق مع نفسه، منصت للآخرين، حريص على الحقيقة. فذلك وحده من يجعل قراراته راسخة، لا تذوب مع أول اختبار، بل تبقى ثابتة… على أرض صلبة.
أعجبنى
(12)لم يعجبنى
(0)