بواسطة : .
3:02 م - 2021/10/21 - 2٬239 views
الوثاق ـ حوار :إيمـان بــدوي
التقينا بسعادة الدكتورة هيفاء إبراهيم فقيه أستاذ اللغويات المساعد بقسم اللغة الإنجليزية بجامعة أم القرى ،
ففتحت لنا قلبها و عقلها الذي نهلنا منه حتى أن ارتوينا و اهتدينا ، هي امرأة ملهمة تدل التائهين و تنير الطرقات المظلمة ، حولها هالات من ألق تمتد منها إلى كل المحيطين بها ، ترادف النور في صور فكرية و ثقافية مختلفة بين سطور تشيد بها في أفلاك العلم التي اكتملت بها قمرا ،
تحدثنا معها عن سيرتها التي صاغتها بأحرف من ذهب في كتاب هو دليل و مرجع لكل شخص أراد أن ينجح ، أن يحلم ، أن يفكر .. صفحاته تربت على كتف كل مغترب و تقوي عزيمة كل فرد قرر أن يخوض رحلة علمية مثمرة ،
كما تناولنا في حوارنا هذا تاريخ اللغة الإنجليزية و عولمة وأحادية اللغة الإنجليزية ما بين عوامل ساهمت في انتشار اللغة عالميا ، أيضا تطرقنا إلى واقع البحث العلمي في الجامعات السعودية و عن دورها النشط في المبادرات المجتمعية و التطوعية ، فهي سيدة مجتمع من الدرجة الأولى و تهتم بكل ما يساهم في تطوير مجتمعها و تطوير جودة الحياة بشكل عام .. فإلى تفاصيل الحوار .
# في كتاب ( سيرة و مسيرة ) أنتِ الملهِمة و أنتِ الملهَمة ، أنتِ القصة و أنتِ القاصة ، فكيف كانت رحلة الكتابة ، و ماذا جنيتِ منها ؟
في الحقيقة رحلة الكتابة كانت ممتعة للغاية حيث أنها تعبر عن أحداث ومواقف مرت بها القاصة في جوانب متعددة من الحياة الشخصية والعلمية والعملية. حينما عزمت على الكتابة كان الهدف نقل صورة واقعية تحمل في طياتها دروس و أهداف تربوية تعليمية لرفع الوعي عند الكثير من الفتيات المقبلات على الزواج والطالبات الراغبات في إكمال المسيرة التعليمية سواء كان ذلك داخل البلاد أو خارجها . وفي الحقيقة صدى الكتاب لكل من قرأه سواءا كان محليا أو خارجيا ادخل على قلبي الفرح والسرور وأعطاني جرعة من الحماس لإنتاج الكثير من المفيد. لله الحمد والمنة السطور والرسائل الجميلة والإنطباعات الطيبة ومدى الإستفادة من عصارة التجارب المذكورة في الكتاب بدأت تنهال علي منذ عرض الكتاب في عام 2017 م وحتى الوقت الحاضر. وهذا هو الأمل المنشود والهدف الحقيقي وراء هذا الإنتاج. ليس هذا فحسب بل استطعت في التاثير على مجرى حياة البعض ممن أخذن من الكتاب دافعا ونموذجا حي يقتدى به في تحقيق الآمال والسير بثبات لجنى الثمار.
# ما الذي قادك لتدوين سيرتك الذاتية ، و هل ثمة نهج معين سلكته ؟
في الحقيقة أثناء رحلاتي الخارجية كنت الاحظ بعض الممارسات والأخلاقيات ما بين الجميل والقبيح والإيجابي والسلبي والتي اعتبرها بمثابة المفاتيح لمعرفة الآخرين وتوجهاتهم وثقافاتهم وسائر أمور حياتهم! والمفتاح الحقيقي لتدوين سيرتي الذاتيه هو نقل بعض الصور الحقيقة التي كانت تتماثل أمامي أثناء غربتي ووجدت انه من الفائدة أن أشارك الآخرين بكل مفيد من حياة الغربة والإغتراب وخاصة فيما يتعلق بأبناء بلدنا وسفراء الدين والوطن. ففي الكتاب دونت بعض المواقف التعليمية والتي قد تفيد المبتعثين والمبتعثات لنيل الدرجات العلمية. و في رحلتي الأخيرة لإكمال مرحلة الدكتوراة في المملكة المتحدة كان هناك احتكاك بالطلبة والطالبات ممن كانوا في حاجة لمن ياخذ بيدهم ويكون الناصح الأمين والقلب الحنون والفكر الواعي الرشيد. وفي تلك الأثناء وجدت الكثير من الملاحظات التي ينبغي أن نأخذها بعين الإعتبار ونستفيد منها في بناء مستقبل الأجيال من أبنائنا وبناتنا لبناء البلاد بوضع الأساس السليم! أحببت أيضا رسم الصورة الحقيقة وتغير الصورة النمطية لبعض الدول الغربية والتي قد تكون مغيبة عند البعض عن شعوب تحب الخير وترحب بالغير بل وتتقبل كل ما هو جديد وغريب لرفع الوعي والتعرف على الثقافات المختلفة.
أما بالنسبة للمنهج الذي سلكته فقد وجدت نفسي أميل الى تسلسل الأحداث منذ ان كنت مراهقة في بيت ابي إلى أن وصلت لمرحلة النضج والرشد ليدرك القارئ/ة بأن الأمور ليس لها طابع الثبات بل هي متغيرات و أن هناك دوافع خلف هذه المتغيرات قد تكون داخلية أو طبيعية والمهم هو تحقيق ما تريد ولو بعد حين او سنين ، احببت استخدام التسلسل المكاني والزماني لنقل القارئ/ة عبر القارات لإكتشاف الإختلافات. كما أنني حاولت الإبتعاد عن التطويل لإبعاد القارئ/ ة من الفتور والملل. حاولت المشاركة ببعض أقوال العلماء والمفكرين وقبل ذلك استشهدت بما هو خير من ذلك كتاب الله وسنة نبيه الكريم.
# ما رأيك فيمن يقول بأن بعض مذكرات الأدباء و سيرهم الذاتية يغلب عليها التحريف و المبالغة ؟
قد يكون هذا الكلام صحيح ولكن لا ينطبق على ما ذكرته في صفحات كتابي فقد تحريت الصدق وخروج العبارات من القلب لتصل للقلب!!
# من يقرأ سيرتك سيدرك كم أنتِ شغوفة بالعلم ، من أين ولد هذا الشغف ، و كيف غذيته ؟
ولله الحمد نشأت في أسرة بالرغم من انهما ليس لديهما من الشهادات العلمية سوى الابتدائية ( للوالد رحمه الله) لكن كان همهما تعليمنا بكل ما عندهما من إمكانيات. كانت الوالدة ( حفظها الله) تعتزل الخروج أوقات الإختبارات والوالد يشجعنا على الذهاب إلى المدارس محاولا توفير جميع احتياجاتنا المدرسية والتعليمية. هذه الوقفات الأبوية الحانية زرعت عندي حب العلم اضافة إلى أنني كنت مشاهدة جيدة لبعض الأفلام الأجنبية وقارئة لبعض القصص والكتب باللغتين العربية والإنجليزية! كنت أشارك أسرتي ببعض قراءاتي خاصة بعد وجبة العشاء حيث كان والدي رحمه الله يحب الإستماع لبعض القصص المتنوعة وهذه العادة تطورت عندي واعتمدتها مع أبنائي حيث كنت دوما أقرأ لهم قصة ما قبل النوم. هذه الممارسات وغيرها شكلت عندي حب العلم بل حب نشر كل ما هو مفيد ويصب في العملية التعليمية. فاعمال وتغذية العقل والروح و التدبر و التفكر حث عليها القرآن في مواضع كثيرة لما لها من أهمية في حياتنا بل هي أقوى من تغذية الجسد ولا يأتي ذلك إلا بالقراءة والبحث والعلم والمعرفة حتى ولو لم يكن للشخص الدرجات العالية فالعلم والمعرفة لا تستوجب النيل من أعلى الشهادات.
# ( إلى كل مغترب و مغتربة من أجل العلم ) هذه الكلمات التي جاءت كإهداء في كتابك ، هل لك أن تحدثينا عن أثر الغربة على تكوين شخصيتك و صقلها ؟
من وجهة نظري المتواضعة الغربة عبارة عن مدرسة نتعلم منها الكثير وتضيف لشخصياتنا الأكثر وتصقل المواهب وتقوي الفرد سواء شخصيا أو ثقافيا، هي من تساعدك على أن تضع لنفسك منهجًا وطريقا تسير عليه في فترة الإغتراب، هي من تحدد لك اختيار الأصدقاء، هي من تفتح لك الطريق للعلوم والمعرفة هي من تعطي المجتمعات صورة عن نفسك ووطنك وقيمك هي من تنقل للعالم الرسالة الحقيقية وراء غربتك وبعدك عن أهلك ووطنك وجميع أحبتك. الغربة مفتاح للمعرفة وتقدير لكل صغير وكبير، الغربة قد تكون رحلة عملية أو علمية أو ثقافية او مجتمعية اوترفيهية. وهذا الإهداء بالتحديد خاطب كل من اغترب من أجل اكتساب المعرفة والتحصيل العلمي، لاسيما و أن هناك الكثير من الظروف الصعبة التي قد تواجه المغترب ولكن كل ما عليه /ها هو وضوح الرؤية ووضع الأهداف التي من أجلها كانت الغربة لتحقيق الطموحات وتنمية القدرات وصقل المهارات واكتساب الشهادات.
# خلال مسيرتك العلمية مررت بالعديد من المواقف .. ما الموقف الذي لا يبرح ذاكرتك ؟
كما أشرت هناك الكثير من المواقف ولكن الموقف الذي يتجسد أمامي (وخاصة حينما انظر لأبنائي شبابا متميزا طموحا أفخر بهم) هو فترة حملي بابنائي التوأم وكيف كان من اصعب المواقف التي مرت بي وبزوجي وابني الذي لم يتجاوز الثالثة من عمره وبفضل الله ورحمته استطعت أن أتخطى هذه المرحلة وبدأت مرحلة جديدة مليئة بالحيوية والنشاط والهمة لأحقق ما كنت أحلم به وأتطلع لإنجازه لأحصل على درجة الماجستير ولله الحمد. لم يكن ذلك ممكنا بدون الجهود الأسرية العظيمة بل وجهود بلدي الحبيب المملكة العربية السعودية التي لم تبخل علي وعلى ابنائي بمصاريف العلاج طيلة فترة الرعاية الطبية. فكلمات الشكر والعرفان لا تفي بحق دولة جادت وما زالت تجود بكل ما تملك من أجل راحة ابنائها وبناتها في بلد الإغتراب لتعزيز الرغبة ورفع الهمة والوصول للقمة.
# قلتِ ( تعلم اللغات يساعد على تنشيط خلايا المخ ) و في ذات السياق قال ستيفن بينكر ( اللغويات كنافذة لفهم الدماغ ) هل نستطيع القول بأن علم اللغات يمنع أو يخفف من الإصابة بأمراض المخ ؟
في حقيقة الأمر تعلم أكثر من لغة له من الفوائد الكثيرة على الصعيد الإجتماعي والثقافي، والصحي. فباللغة نستطيع أن نتعرف على الثقافات الأخرى المتعددة ونتعرف على الحضارات المختلفة كما يمكننا معرفة الآخرين من المجتمعات بل قد يتطور الحال إلى إيجاد العلاقات وتوطيد الصداقات . أما في الجانب الصحي فتعلم لغة أخرى يساعد على التقليل من التعرض لأمراض العقل والنسيان. فقد أثبتت نتائج دراسة أنّ تعلّم أكثر من لغتين أجنبيتين يحفظ الدماغ من أمراض فقدان الذاكرة بخمسة أضعافٍ. تماشيًا مع الفكرة، التي توصلت لها الدكتورة إيلين بياليستوك من خلال تجاربها وأبحاثها أنّ تعلّم لغتين أجنبيتين على الأقل يؤخر ظهور مرض الزهايمر بخمس سنوات. وبالتالي، فتعلّم لغة أجنبية يحفظ الذاكرة، ويطور من أداء الدماغ بشكل أساسي.
# قال الدكتور مايكل جوردن أن اتصال العلوم ببعضها كان في الماضي يتم بعدة لغات لكن اللغة الإنجليزية في الوقت الراهن سيطرت على ذلك .. و تساءل : ما ثمن ذلك ؟ فهل لكِ دكتورة هيفاء أن تدلي بدلوك و أن تجيبي على هذا الاستفهام ؟
لو تتبعنا تاريخ اللغة الإنجليزية لوجدناها مزيج من عدة لغات ما بين الفرنسية واللاتينية وغير ذلك من اللغات القديمة. وللمعلومية فإن اللغة الفرنسية المتأثرة بالنرويجية كانت لغة الطبقة الحاكمة والطبقات العليا من المجتمع. ولكن حينما نتكلم عن عولمة وأحادية اللغة الإنجليزية فإننا نتطرق إلى عوامل كثيرة أدت إلى انتشارها من شرق إلى غرب ومن شمال إلى جنوب العالم فأصبحت من اللغات الرسمية المعتمدة في معظم الدول. ومن بين هذه العوامل الإستعمار الإنجليزي الذي ساعد في انتشار واستخدام اللغة الإنجليزية اضافة إلى الإستعمار الثقافي والذي يشير إلى أهمية اللغة الإنجليزية في جميع الجوانب العلمية والثقافية والإجتماعية. وهذه لم تكن إلا من جهود غير مسبوقة في الترجمة والتأليف والنشر لجميع العلوم عكس بعض اللغات الأخرى التي لم تهتم بمثل هذا التوجه.
# كيف ترين واقع البحث العلمي في الجامعات السعودية ؟
في حقيقة الأمر الجامعات السعودية بدعم سخي من الحكومة الرشيدة تحاول جاهدة دعم البحث العلمي والذي يساهم بشكل كبير في التطور والتقدم في جميع المجالات العلمية والمهنية ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في عملية توظيف هذا الدعم وكيفية صرفه والمجالات التي تحتاج الدعم والفئة المستهدفة بالدعم. وما يؤسف أن هناك من يقف أمام هذه الخطوة الصحية لمنع من يريد المشاركة بأبحاث أو حضور مؤتمرات أو ايجاد مبادرات دون مبررات.
# قدمتِ للمجتمع العديد من المبادرات الإنسانية و التطوعية .. برأيك ما مدى أهمية تفعيل و تعزيز ثقافة العمل التطوعي بين الأفراد ؟
العمل التطوعي في رأيي الشخصي من أسمى وأجل الأعمال لأن ذلك يأتي من القلب والهدف من ورائه ساميا جليلا مترفع به عن المال والدنيا. العمل التطوعي باب من أبواب رفع الدرجات وتثقيف المجتمعات وتقديم الخدمات لجميع الأفراد. العمل التطوعي لا يقتصر على فئة دون الأخرى فهو يشمل التاجر والطبيب والمهندس والمدرس وكل من يملك مهنة أو صنعة تعود بالفائدة على المجتمع الكبير. العمل التطوعي يساعد في رفع الوعي وزرع الحب والود والوئام بين الناس، هو من يغرس عند أجيال المستقبل حب المشاركة المجتمعية دون النظر للعوائد المادية. العمل التطوعي يحتاج للأرض الخصبة لينمو و يكبر و أخص بالذكر كل من يسعى لإحباط هذا العمل العظيم بكل ما يحمل من قيم عليا و أهداف سامية .
# بعيدا عن المنهج الدراسي ، ما البذرة التي حرصتِ على زرعها في طالباتك .. و بماذا أثمرت ؟
حينما كنت في القاعة الدراسية لم أكن المعلمة التقليدية بل كنت الأم المثالية التي تطمع في غرس بذور القيم الدينية والدنيوية للحصول على محصول نشيط واعي مدركا للمسؤولية محبا لخدمة وطنه واهله واحبابه للإرتقاء والعلو والوصول لما نستحق من العالمية وتغير الصورة النمطية عن المرأة السعودية . ولله الحمد الثمار كثير ومن أولها أن هناك بعض من بناتي الطالبات هن زميلات مهنة ، ومنهن من حصلن على وظائف في مؤسسات وشركات حكومية أو أهلية يشار إليهن بالبنان، وما يثلج صدري ويجعلني افتخر بكل يوم قضيته في التعليم هو رسائل طالباتي وغيرهن من خارج المؤسسة التعليمية ممن يتواصلن معي عبر وسائل التواصل الإجتماعي وهذا في حد ذاته إنجاز عظيم وخير وفير وجهود مثمرة.
# ما بين د.هيفاء الزوجة و الأم و الأستاذة الجامعية
و المؤلفة .. ما الحلم الذي تسعين لتحقيقه ؟
أحلامي كثيرة وطموحاتي تصل عنان السماء ولكن ما أسعى إليه الآن هو الحصول على شهادة الكوتشنق بجميع مستوياتها والتي لها مردود عظيم وصورة مشرقة على المجتمع المهني والمؤسسي والتربوي والأسري والحياتي. فقد أكملت ولله الحمد برنامج الكوتشنق المقدم من كلية إدارة الأعمال الكندية والذي استمرعلى مدار 6 أشهر وسأحصل قريبا باذن الله على شهادة الكوتش المعتمد من الإتحاد الدولي للكوتشنق (ICF) وأطمع في الحصول على المزيد من الرخص الدولية في القريب العاجل باذن الله.
# كلمة أخيرة تودين أن تختمي بها الحوار ؟
أتقدم بالشكر الجزيل للشابة الطموحة والكاتبة الشغوفة الأستاذة الفاضلة إيمان بدوي على قبولها لنسخة من كتابي المتواضع “سيرة ومسيرة” وقراءتها له واسعادي بكلماتها الطيبة المعبرة عن انطباعها الجميل لسطور الكتاب وهذا دليل على أن الكتاب حقق الهدف المنشود .
أعجبنى(1)لم يعجبنى(0)